يعقد مسؤولين كبار من الولايات المتحدة وروسيا في السعودية، اجتماعا تمهيديا لقمة تجمع ترامب وبوتين قد تنعقد نهاية الشهر الجاري لإنهاء الحرب في أوكرانيا بالعاصمة السعودية الرياض.. ومن المنتظر أن يلتقي ترامب قادة دول مصر وقطر والإمارات والأردن والسعودية لمناقشة الخطة المصرية الخاصة بإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير أهله، وكذلك اليوم التالي للقطاع والذي أكد مصدر مصري مطلع بأن حماس لن تشارك فيه، ووفقا للخطة المصرية التي لم تفصح القاهرة عن كامل تفاصيلها سيتم تشكيل لجنة مجتمعية من التكنوقراط ولا تنتمي للفصائل لإدارة القطاع، وهو أمر يرفضه رئيس السلطة الفلسطينية الذي لم يقدم شيئا طوال فترة حرب الإبادة سوى الهجوم على حماس وخطب رنانة بالمحافل الدولية والإقليمية لا تخلو من طعن المقاومة الفلسطينية.
ما يهمنا هو اختيار أرض الحرمين الشريفين للقاء ترامب وبوتين لحل الأزمة الأوكرانية المندلعة منذ فبراير 2022، ولقاء القادة العرب بشأن القضية الفلسطينية.
ترامب اختار المملكة لوعده بأن أول زيارة خارجية له ستكون للسعودية التي قررت دفعت 600 مليار دولار، وفقا لطلبه بزيادة المبلغ الذي دفعته له في رئاسته الأولى وكان 450 مليار دولار، لوجود تضخم والأسعار اختلفت عن السنوات الأربع الماضية، وطلب زيادة المبلغ لتريليون دولار.. لعقيدته بأن المملكة تمتلك أموالاً كثيرة، وعليها دفع إتاوة الدفاع عنها لحمايتها من المطامع الإيرانية، في حين أن المملكة تعاني منذ أعوام من عجز بموازنتها العامة والتي بلغت 115 مليار ريال العام الماضي 2024، ويقدر عجز الموازنة العام الجاري بنحو 101 مليار ريال.. كما ارتفع الدين العام من 1199 مليار ريال عام 2024 إلى 1300 مليار ريال في العام الجاري.. وذلك لاستكمال مشروعاتها النهضوية وفقا لرؤية 2030 لتصبح مملكة الحرمين الشريفين قطعة من أوروبا.. ربما تكون عقدة تركها الخديوي المصري إسماعيل عندما سعى لتحويل مصر لقطعة أوروبية مستغلا تاريخ وثقافة وحضارة 7 ألاف عام، وقام بتشييد العديد من المشروعات والمباني والطرق الجديدة وإنشاء دار الأوبرا المصرية وتأسيس أول مجلس نواب بالمنطقة وهو مجلس الشيوخ وغيرها من المشروعات.
الأمر الثاني للاختيار، أن الإدارة الترامبية صاحبة صفقة القرن التي أسفرت عن الإبراهيمية، والتي كان من المفترض أن تنضم لها السعودية في عام 2024، وأوقفها طوفان الأقصى تريد تلميع المملكة ومنحها دوراً عربياً وعالمياً، خاصة وأن المملكة دفعت وستدفع لأنها ترغب في تأكيد زعامتها للعالمين العربي والإسلامي السني وهي منافسة مع مصر عربيا ومع تركيا ومصر إسلامياً، وهي صراعات قديمة ومدفونة أسفل المناضد، فضلا عن ذلك فإن الإدارة الأمريكية تدرك جيداً، أن القاهرة حليف متمرد له رؤيته وثوابته، التي لا يتنازل عنها وتتعارض مع الرؤى الأمريكية.. وقد وضح ذلك منذ الساعات الأولى لطوفان الأقصى وحرب الإبادة والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني بقطاع غزة، وتهجير الفلسطينيين وكان الرئيس السيسي أول من نبه محذراً من ذلك المخطط خلال قمة القاهرة للسلام في 21 أكتوبر 2023، أي بعد 14 يوما من الطوفان، بمشاركة 30 دولة وأمين عام الأمم المتحدة، ولم يحضره ولي العهد السعودي وشارك وزير خارجيته.. يومها جلس رئيس الإمارات يمضغ اللبان “العلكة" ويهتز بمقعده في مشهد أثار حفيظة الكثيرين، وربما كان سببا في انصراف أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
طوفان الأقصى وحرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني أثبتا أن مصر وقطر هما اللاعبان الأساسيين إلى جانب الولايات المتحدة.. ويحسب للقاهرة والدوحة مصارعة طواحين إسرائيل وأمريكا لتنفيذ اتفاق وقف حرب الإبادة، والذي هو بالأساس رؤية مصرية سبق وقدمتها مصر في مايو 2024، ورفضتها واشنطن وإسرائيل، وكذلك إنقاذ الصفقة أكثر من مرة، وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم حيث قالت هيئة البث الإسرائيلية إن الوسطاء شكلوا ضغطا على إسرائيل وحماس لاستكمال الإفراج عن الرهائن وبدء مفاوضات المرحلة الثانية..
خطة منع تهجير الفلسطينيين وإعادة إعمار قطاع غزة لإفساد ريفيرا الشرق الأوسط، كشف عنها ملك الأردن أمام كاميرات العالم بقوله لترامب "إن مصر لديها خطة لإعمار قطاع غزة دون تهجير أهلها وننتظر الخطة المصرية لمناقشتها ما بين القادة العرب في قمتهم الطارئة لعرضها عليكم".
يحسب للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه أول قائد عربي قال "لا لتهجير الشعب الفلسطيني وتوطينهم في أي بلد أخر، وأن هذه الجريمة ظلم ولن نشارك فيها، ولن نسمح بها، وهي خط أحمر لن نقبل بتجاوزه".. ثم بات الخط الأحمر شعاراً عربياً مضافاً لبياناتهم المعتادة عندما قال النتن ياهو "نقيم دولة فلسطين بالأراضي السعودية فهي أرض شاسعة".
وأعتقد أن تصريح النتن ياهو كان بقصد دحرجة اسم المملكة لبدء عملية تلميعها، لتطلق حملة التلميع بقيام بعض وكالات الأنباء والصحف الأمريكية المؤجرة، والحشرات الإلكترونية، بالقول والترديد أن السعودية تلعب دوراً كبيراً لحل أزمة غزة.. ولا أعرف ما هو الدور هل استضافت قمة محتملة مصرية قطرية أردنية إماراتية لمناقشة الخطة المصرية لقطاع غزة لمنع التهجير قبل القمة الطارئة، أم بعد القمة مع ترامب؟.. أما مسألة التبرع بالأموال لإغاثة الشعب المنكوب، وإعادة الإعمار فهو أمر واجب على كل مسلم وكل من يعتنق الإنسانية، وكم يساوي التبرع للأشقاء مقابل ما دفع لإرضاء ماما وبابا أمريكا، أو جلب تنظيم إرهابي لتولي الحكم في سوريا واغتيال المقاومة في لبنان وتدمير اليمن؟!
على كل ، الدور المصري لا يحتاج لأن تدفع له القاهرة مليارات الدولارات، ولا السماح بإقامة قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، والاستعانة بالحشرات الإلكترونية، وبث أخبار مدفوعة الثمن، فالدور المصري في القضية الفلسطينية يذكره ويعرفه الشعب الفلسطيني، والقاصي والداني، ويكفي هتاف المبعدين الفلسطينيين وذويهم الذين كانوا في انتظارهم عند وصولهم لمعبر رفح المصري "تحيا مصر.. وبالروح بالدم نفديكِ يا فلسطين".
-----------------------------
بقلم: محمد الضبع